إنه دعاء كان النبي يحافظ عليه كلما استيقظ من نومه أو كلما أراد أن ينام:
(اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور) [رواه الترمذي].
انظر معي إلى هذه الكلمات اخي في الله
وكم أعطيك من ثقة بالله! إنها تجعلك تشعر بأنك تعيش كل لحظة قريباً من الله.
يؤكد العلماء على ضرورة مخاطبة العقل الباطن واستغلال أوقات الصباح والمساء، وبخاصة بعد
الاستيقاظ وقبل النوم، فهاتين الفترتين يكون العقل الباطن في أقصى درجات الاتصال مع العقل
الظاهر، وبالتالي فإنه يتلقى أي معلومة بسهولة ويرسخها ويتجاوب معها.
فأنت عندما تناجي ربك بهذا الدعاء إنما تتصل مع الله وتشعر أنك قريب من الله وأن الله مسيطر
على كل شيء في حياتك ومماتك ويعثك يوم القيامة، وهل هناك أجمل من أن تشعر بأن الله معك
في كل لحظة! إن هذا الشعور سيمنحك السعادة ويشعرك بالطمأنينة التي حُرم منها كل من يبتعد
عن الله، وربما ندرك لماذا كان النبي حريصاً على هذا الدعاء وغيره صباحاً ومساءً، لأنه يريد لنا
الاطمئنان ويريد لنا السعادة في الدنيا والآخرة.
دعاء التوحيد
وهو من الأدعية "الذهبية" التي كان النبي يرددها كثيراً بل كل يوم أكثر من مئة مرة، وهو: (لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) [متفق عليه]. لقد أكَّد
الحبيب الأعظم على أنه من قال هذا الدعاء مئة مرة كُتبت له مئة حسنة ومحيت عنه مئة سيئة
وكان كمن أعتق عشر رقاب، ولم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه!
سبحان الله! كل هذا الأجر ونحن غافلون عن هذا الدعاء؟ وكم عدد الذين يلتزمون لهذا الذكر كل
يوم مئة مرة؟ لاشك أنه قليل، ولذلك فإنني أنصح كل أخ وأخت أن يتذكروا هذا الدعاء كل يوم
ويحاولوا أن يكرروه مئة مرة على دفعات صباحاً ومساءً وظهراً وكلما ضاقت به السبُل، أو كلما
شعر بالحزن أو الهم، ولكن ما الذي يحدث علمياً؟
إنك عندما تردد هذه الكلمات فإن هذا اعتراف منك بوحدانية الخالق عز وجل وقدرته وأنه قادر
على كل شيء، فهو القادر على أن يرزقك إذا كان رزقك قليل! وهو القادر على أن يبعد عنك
الأمراض إذا كنت تخشى ذلك، وهو القادر على أن يزيل عنك الهموم ويخلّصك من الأحزان
والمشاكل النفسية.
ويقول علماء النفس من الضروري لأي شخص أصابه اضطراب نفسي مثل انفصام الشخصية أو
الخوف الشديد أو الاكتئاب، أن يلجأ إلى شخص قوي ويشعر بأنه سيحميه أو سيخلصه من هذه
الهموم، فإن هذا الشعور ضروري للعلاج، وأقول: هل هناك أقوى من رب السموات السبع سبحانه
وتعالى لنلجأ إليه وندعوه ونتقرب منه؟!
دعاء الاستغاثة
إنه دعاء لا يستغني عنه المؤمن: (يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكِلني
إلى نفسي طرفة عين) [رواه الحاكم]. تأملوا معي قوله عليه الصلاة والسلام: (طرفة عين) وفي
روايات أخرى (طرفة عين أو أقل من ذلك) فما هي الحكمة العلمية، وما معنى أقل من طرفة
العين؟
إن سرعة معالجة الأوامر في الدماغ واتخاذ القرار وبخاصة القرارات الخاطئة، هو زمن قصير
يقدر بعشرات الميلي ثانية، وبالتالي أراد النبي لنا أن نعتمد على الله وألا يكِلنا إلى أنفسنا مقدار
طرفة العين، ففي زمن طرفة العين هناك ملايين العمليات التي تتم في الدماغ والقلب، ولذلك فإن
هذا الدعاء هو تسليم كامل لله أن يهيء لنا أبواب الخير وألا تتدخل نفوسنا الضعيفة في قراراتنا.
ويؤكد العلماء أن الزمن الأقل من طرفة العين هو زمن جوهري في العمليات داخل الخلايا
العصبية، وقد يتخذ الإنسان قراراً في جزء من ثانية دون أن يشعر، ويكون هذا القرار سبباً في
تعاسته أو خسارته، لذلك كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم حريصاً علينا ألا نتكل على
أنفسنا أو نلجأ إلى قدرتنا وقوتنا ولو لجزء من الثانية، بل أن نسلم الأمر كله لله تعالى.
دعاء الرضا
ونقوله ثلاث مرات: (رضيت بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً
ورسولاً) [رواه أبو داود]، فمن قال هذا الدعاء ثلاث مرات صباحاً ومساءً كان حقاً على الله أن
يرضيه يوم القيامة.
هناك قاعدة في علم النفس تؤكد أن 90 بالمئة من الاضطرابات النفسية سببها عدم الرضا عن
الواقع الذي يعيشه الإنسان! ويحاول علماء النفس ابتكار طرق لجعل المرضى النفسيين يرضون
عن حياتهم وظروفهم ويقتنعون بما يجري حولهم. وتؤكد بعض الدراسات أن الملحد أقل الناس
رضا بما يجري حوله، لأن لديه الكثير من التساؤلات لا يوجد إجابة عنها، فمن الذي خلق الكون؟
ولماذا وجدتُ على الأرض؟ وماذا بعد الموت؟ و... كلها أسئلة يقف الملحد حائراً أمامها وبالتالي
هناك مشاكل نفسية تنشأ لديه بسبب عدم القناعة بما يجري حوله.
إن هذا الدعاء يشعرك بالرضا وهذا ضروري لسعادتك، فأكثر الناس سعادة هم أكثرهم رضا! وهذه
دراسة حديثة نشرتها مجلة أبحاث السعادة الأمريكية تؤكد هذه الحقيقة، فهذا الدعاء يقودك إلى
السعادة ويزيل عنك الهموم، ولذلك أنصح كل مؤمن أن يلجأ إلى هذا الدعاء ويكرره عشرات
المرات كلما أحس بالقلق أو الحزن.
دعاء قضاء الدين
إنه دعاء عظيم (اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من
الجُبن والبخل، وأعوذ بك من غَلَبة الدَّين وقهر الرجال) [رواه أبو داود].
وهنا نجد المؤمن الذي يردد هذه الكلمات النبوية الرائعة أنه سيشعر بالقوة لأنه يلجأ إلى قوي حكيم
عليم! فكلمة (أعوذ) تعني التجئ وأحتمي وأستجير بالله تعالى، وهل هناك أجمل من الاحتماء
بخالق هذا الكون!
إن الإنسان عندما يردد هذا الدعاء إنما يعطي رسالة لدماغه ولعقله الباطن أن الله الذي يلجأ إليه
قادر على أن يخلصه من الهم وأن يرزقه رزقاً يكفيه لقضاء دينه وليعيش حياة كريمة، بعيداً عن
الأمراض والعجز والكسل وظلم الآخرين له، وبالتالي فإن هذه الرسائل ستفعل فعلها وستمنحك
القوة الكافية للتحرك والبحث عن أسباب الرزق وتولد لديك طموحاً وهدفاً بضرورة العمل
والابتعاد عن الكسل والخمول، وهو ما سيؤدي إلى كسب الرزق الحلال بإذن الله تعالى.
إن هذا الدعاء يعالج الكآبة، هذه الكآبة هي سبب رئيس للانتحار كما يقول الباحثون حيث يؤكدون
في دراسة حديثة أن نسبة 3.4 من المصابين بمرض الاكتئاب الشديد ينتحرون! ولذلك فقد عالج
الإسلام هذه الظاهرة بتكرار هذه الأدعية، وهذا ينعكس على المسلمين حيث نجد أن نسبة الانتحار
تكاد تكون منعدمة في العالم الإسلامي!
دعاء الاستعاذة
وهو دعاء يُقال ثلاث مرات صباحاً ومساءً: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلَق) [رواه
أحمد]. هذا دعاء يبعد عنك أي إحساس بالخطر أو الخوف، ويؤكد علماء النفس أن الخوف من
الشر أكثر ألماً من الشر نفسه!! ففي بحث جديد يقولون إن شعور الإنسان بالخوف من شيء ما
يسبب له آلاماً أكبر بكثير مما لو أن هذا الشر قد أصابه.
ولذلك فإن هذا الدعاء سيعمل مفعول "السحر" فهو سيعطي رسالة لدماغك أنه لن يصيبك مكروه
أبداً، لأن الله معك فأنت تستعيذ به وتلجأ إليه، وكلمات الله التامات لا يمكن لأحد أن يتجاوزها،
فالذي يحصِّن نفسه بهذه الكلمات التي نجهلها، ولكننا ندعو الله بها (وقد تكون هي القرآن والله
أعلم) إنما يجعل حول نفسه حاجزاً منيعاً من الشر والأذى.
دعاء سيد الاستغفار
لقد سمَّاه النبي سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك
ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي
فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) [رواه: البخاري]. ويكرر هذا الدعاء ثلاث مرات.
هذا من أروع الأدعية النبوية الشريفة، وتأملوا معي قوله عليه الصلاة والسلام: (أبوء لك بنعمتك
عليَّ وأبوء بذنبي) هذا اعتراف بنعمة الله، أي بالرضا عن هذه النعمة، واعتراف بالذنب، لأن
الاعتراف بالذنب أمام الله تعالى (وليس أمام البشر كما يفعل البعض من ديانات أخرى) هو
الطريق للإحساس بالراحة النفسية والرضا والطمأنينة.
هذا الدعاء هو اعتراف منك بوحدانية الخالق جل جلاله، وهو اعتراف منك بعبوديتك لله،
واعتراف منك بأنك ستلتزم عهد الله وتعاليمه وتبتعد عن المعاصي قدر المستطاع، هذا الاعتراف
هو رسالة لدماغك أيضاً تحرضه على البعد عن المعصية والمنكر، والتزام أمر الله، وهو لجوء
إلى الله تعالى واستعاذة من شر الأفعال التي قمت بها.
ولذلك من يكرر هذا الاستغفار صباحاً ومساءً فإنه يشعر بالاستقرار النفسي وهو بمثابة تفريغ
للشحنات السلبية، وهو تفريغ للهموم والمشاكل النفسية، وبالتالي الحصول على شخصية أقوى
وأكثر استقراراً. أي أن الذي يلتزم بهذه الأدعية لابد أن يكون وضعه النفسي مستقراً، وهذا ما
نلمسه في حياتنا اليومية.
تقول الإحصائيات إن مرض الاكتئاب يكلف الولايات المتحدة الأمريكية كل عام 44 بليون دولار،
حيث نجد أكثر من 17 مليون أمريكي مصاب بالاكتئاب الحقيقي، أي أنهم يعالجون عند الأطباء،
ولكن معظمهم (أكثر من الثلثين) لا يستفيد من العلاج شيئاً! فانظروا معي لو أن هؤلاء التزموا
تعاليم الله تعالى فهل يحتاجون للعلاج ولهذه الخسائر المادية الهائلة؟!
وأخيراً
أخاطب كل ملحد وأقول، بالله عليكم: النبي الذي علمنا هذه الأذكار وكان حريصاً على أن نكررها
صباحاً ومساءً، هل كان يريد لنا الشر أم الخير؟ أليس الأجدر بكم أن تقدروا هذا النبي بدلاً من أن
تصوروه على أنه نبي العنف والتخلف؟ لو كان النبي كاذباً في دعواه فلماذا علَّمنا هذه الأذكار
وأمرنا بقراءتها كل يوم؟ ماذا سيستفيد من ذلك؟ ولماذا أراد لنا أن نكون قريبين من الله تعالى؟
ولماذا أراد لنا أن نكون بعيدين عن الوساوس والقلق والبؤس والشقاء؟ ولماذا أراد لنا السعادة
والطمأنينة؟ كل ذلك ألا يشهد بأنه نبي صادق مرسل من ربه؟
ولا نملك إلا أن نقول كما قال تعالى في حق هذا النبي الرحيم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 128-129]. وهذا الدعاء يا أحبتي كان النبي يدعو به
فيقول: (حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) فمن قاله سبع مرات أذهب
الله عنه همَّه ولو كان بحجم الجبل ....................
اختكم
رزان[/font]