يقصد بلفظة "الكون" مجموع الموجودات الكائنة من مختلف صور المادة والطاقة والمكان والزمان، وما تتشكل عليه من كافة المادات والأحياء، ولما كان ذلك يشمل حيزًا كبيرًا من المعارف الإنسانية، خرج الناس بلفظة الكون إلى مدلول أكثر تحديدًا يقتصر على النظام الشامل للأجرام السماوية (المدرك منها حسيًّا وغير المدرك)، بأشكالها وأحجامها، وكتلها، وأبعادها، وحركاتها، وفى الترابط بينها، وتركيبها الكيميائي، وصفاتها الفيزيائية، والهيئات المختلفة التي تنتظمها وكيفيات نشأتها، وتاريخها، والمصير الذي ينتظرها، وعلى ذلك فإن الدراسات الكونية تنقسم إلى قسمين رئيسيين هما:
علم الكون (Cosmology)، وعلم أصل الكون (Cosmogenesis)، وهما من المعارف الكلية التي ينطوي تحتها أفرع عديدة من الدراسات المتعلقة بالكون (Cosmic Sciences).
ولا شك أن الإنسان قد شغل بالتفكير في الكون منذ أن وطَئِت قدماه الأرض، وأن الله تعالى قد أعانه بالعديد من الإشارات في كافة صور الوحي السماوي التي كلما استضاء الإنسان بهديها فهم حقيقة موقعه من الكون، ورسالته فيه، وعلاقته به كما حددها له رب العالمين، وكلما انحرف الإنسان عن هداية الله سبحانه امتلأ فكره عن الكون بالخرافات والأساطير، أو بالاستعلاء والكبر إذا قُدِّر له فهم شيء من أسرار الكون باتباع المنهج العلمي في تفسير بعض السنن والظواهر الكونية، كما وضَّح القرآن موقف هؤلاء بقول الحق تبارك وتعالى: (يَعْلَمُوْنَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُوْن).
وقد سجَّل لنا التاريخ أن أغلب الحضارات القديمة قد اهتمت برصد حركات عدد من الأجرام السماوية، واستخدمت الحسابات الرياضية لتفسير العلاقات والروابط بينها من مثل مراحل منازل القمر المتتابعة، وعلاقة الأرض بالشمس، وظهور واختفاء بعض الكواكب بصورة دورية، وظواهر الكسوف والخسوف وغيرها.
وكان الإنسان إلى عهد غير بعيد يعتقد بأن الأرض هي مركز الكون، وأن كل ما حولها يدور في فلكها، حتى أثبتت الدراسات العلمية أنها جزء ضئيل جدًّا من بناء محكم دقيق، شاسع الاتساع يشمل أرضنا وقمرنا وشمسنا، وغير ذلك من الكواكب والكويكبات، والأقمار في مجموعتنا الشمسية، ومن هذه المجموعة الشمسية تشكل جزءٌ من مجرتنا التي تحتوي على أكثر من أربعمائة ألف مليون نجم كشمسنا، لكل منها توابعه من الكواكب والكويكبات والأقمار كما أن لشمسنا حشدًا من كواكب تسعة وأعداد من الأقمار والكويكبات.
ومجرتنا جزء من عنقود مجري يُسَمَّى باسم المجموعة المحلية (Local Group) يبلغ قطره عشرات الملايين من السنين الضوئية (والسنة الضوئية تساوي 9.5 تريليونات كيلومتر)، والمجموعة المحلية جزء من عناقيد مجرية أكبر (Super Clusters) تُكَوِّن المجرات العظمى (Super Galaxies)، ويحصي العلماء أكثر من ألفي مليون مجرة تسبح في جزء من السماء الدنيا على هيئة جزر من المجرات أو العناقيد المجرية، وتتباعد المجرات عن بعضها البعض بسرعات تقترب من سرعة الضوء (المقدرة بحوالي 300.000 كيلومتر في الثانية)، وتتخلق المادة لتملأ المسافات الناشئة عن هذا التباعد من حيث لا يعرف الإنسان.
ولما كانت أغلب معلوماتنا عن الكون مستمدة أصلاً من معرفتنا بالأرض ومادتها وما ينزل عليها من نيازك، كان من الضروري أن نبدأ حديثنا عن الكون بالأرض.
]