(في ذكرى وفات أينشتاين: 18 من شعبان 1374 هـ)
يعد إعلان الأمم المتحدة عام (1426هـ= 2005م) عاما للفيزياء لفتة علمية وإنسانية تستحق التقدير، فقد توافق هذا الإعلان مع الاحتفال بمئوية النظرية النسبية تلك النظرية التي غيرت العديد من المفاهيم السائدة عن الكون وطبيعة المادة والزمان والمكان وأدت لثورة علمية ضخمة كما واكب أيضا مرور نصف قرن على وفاة مكتشفها ألبرت أينشتاين.
ولد أينشتاين في (21 من ربيع الأول 1296 هـ = 14 من مارس عام 1879م) في مدينة أولم الألمانية لأبوين يهوديين، ولم تكن تبدو عليه علامات نبوغ وتفرد بل كان بطيء التعلم.. ونظرا لظروف أسرته فقد انتقل للعيش في سويسرا، والتحق هناك بالمعهد التقني السويسري (البوليتكنيك) وهناك بدا حبه للرياضيات والفيزياء، وأنهى دراسته عام (1317 هـ= 1900م) حاصلا على شهادة الدبلوم من سويسرا.
البداية والأبحاث
بدأ أينشتاين حياته العملية بعد تخرجه مدققا مبتدئا في مكتب براءة الاختراعات السويسري عام (1323هـ= 1905م)، وساعده هذا الجو العلمي على متابعة بحثه في علم الفيزياء، واهتم كثيرا بنظريات نيوتن، ونشر في هذا العام خمسة أبحاث تعد ثورة في عالم الفيزياء، شملت بحثا عن الكهروطيسية، وبحثا عن الحركة البروانية للمادة، وآخر عن طبيعة الزمان والمكان.
وكذلك اكتشف البعد الرابع للفراغ بعد أبعاد نيوتن الثلاثة ، ونشر هذه الأبحاث في مجلة Annalen der physic العلمية الشهيرة التي لم يكن يحلم بأن تنشر له وهو لا يزال غير حاصل على الدكتوراة بعد.
وقد أثارت تلك الأبحاث ضجة علمية كبيرة في الأوساط العلمية، ونال بسببها قدرا من الشهرة، فكانت هذه أولى خطواته الثابتة في طريق العلم.
النسبية ومفاهيمها
نشر أينشتاين نظريته في النسبية للمرة الأولى عام (1323 هـ=1905م) ثم أعاد نشرها بعد تطويرها عام (1324 هـ= 1916م) ليغير النظرة الكلاسيكية للفيزياء، فشرح قصور المعادلات السابقة عليه عن تفسير حركة الأجسام في الظواهر الكهروطيسية التي تتغير بالشكل والفعل وكذلك النظام الحركي، فالمعادلات النيوتينية كانت تشرح حركة جسمين بشكل منتظم كل واحد بالنسبة للآخر؛ ولأن هذه المعادلات يستحيل تطبيقها بشكل صحيح في ظواهر الحقول الكهرومغناطيسية التي تتغير بالشكل والفعل إذا انتقلت من نظام حركي إلى آخر، جاء شرح أينشتاين لمفاهيم النسبية الثلاثة وهي:
1 - مفهوم الوقت ليس ثابتا بل هو مفهوم متغير وفقا لموقع نقطة الرصد.
2 - سرعة الضوء في الفراغ ثابتة بغض النظر عن مصدرها أو موقعها من نقطة الرصد.
3 - مقاييس الأشياء تتقلص إذا ما تم رصدها من ناحية مراقب متحرك بمقارنتها بمراقب ثابت.
ثم واصل شرحه لمفهوم الجزيئات والذرة حين قدم معادلة الذرة الشهيرة 2E=mc (الطاقةE=، المادة=M، السرعة=C)، مؤكدا وجود علاقة وثيقة بين المادة والطاقة والعامل الثابت، والذي ينظم تلك العلاقة هو سرعة الضوء التي اعتبرها ثابتة مهما كانت الظروف الخارجية.
وأكد أن الفضاء ليس مجرد ستار تجلس فيه الحوادث الكونية بل بنية أساسية تتأثر بطاقة الأجسام التي تحتويها وكتلتها. وساهم كذلك في كشف تأثير الحقل الثقالي للشمس على مسار الضوء المار من نجم بعيد، مغيرا بذلك المفاهيم الراسخة عن الزمان والمكان.
القنبلة النووية وإسلام أينشتاين!
ساهمت معادلة أينشتاين التي وضعها عن الذرة 2E=mc في صنع القنبلة النووية؛ فقد فسر الانشطار النووي مستخدما معادلته التالية: عند ضرب ذرة من اليورانيوم بشعاع من النيترونات بهدف تقسيمها ينتج عن هذا الانشطار طاقة هائلة، كما تنتج ذرتان جديدتان يختلف وزنهما عن العناصر التي دخلت في التفاعل المبتدئ والمفترق في الوزن يتحول إلى طاقة تسبب الانفجار النووي عبر عدة انفجارات متسلسلة.
وإن كان أينشتاين هو من وضع المعادلة فإنه لم يستخدمها، ولكن هذه المعادلة لفتت انتباه الرئيس الأمريكي روزفلت إلى الإمكانيات الضخمة التي يحملها هذا الاكتشاف العلمي، وسرعان ما كرست الولايات المتحدة جهود علمائها في تطوير المعادلة حتى أنتجت القنبلة النووية التي استباحت سماء مدينتي هيروشيما ونجازاكي عام (1364 هـ= 1945م) فخلفت وراءها مئات الملايين من الضحايا الأبرياء، وعندما علم أينشتاين بهذه الانفجارات لم ينطق، بل قال: "آ... ها" فقط!.
ويحكي ألفريد وايزمان في مذكراته -وهو من أقرب العلماء لأينشتاين- أنه كان متألما طوال حياته لهذا الدمار الذي حلّ بالبشرية، فظل يقول في أخريات حياته: "لا سبيل لنجاة البشرية إلا بالعودة الجماعية إلى الله" بالرغم من توجهه الشيوعي.
وأكد هذه الحقيقة أكثر من واحد من العلماء والباحثين الغربيين الذين اصطحبوا أينشتاين في حياته سواء من زملائه أو أساتذته، وأشار إلى ذات المعنى الدكتور عبد الرحمن بدوي، في كتابه "مستقبل الفلسفة" بقوله: "... ومن أسف أن كثيرا من الناس لا يعلمون شيئا عن إسلام أينشتاين، فقد هداه عقله الكبير إلى أن الحل يكمن في اتباع الإسلام ذلك الدين الحق، الذي وجد فيه ضالته، فقد مات هذا العالم الفيلسوف ومعه هذا السر الدفين".
نوبل للفيزياء
حصل أينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء عن اكتشافه التأثير الكهرو ضوئي عام (1340 هـ=1922م) وكانت نقله كبيرة له، واتجه بعد ذلك للتدريس في الجامعة الألمانية، ولكنه ما لبث أن ترك الحقل الأكاديمي لأنه مضيعة للمجهود، على حد قوله.
وفي (12 من شعبان 1351هـ = 10 من ديسمبر عام 1932م) ومع صعود هتلر للسلطة ترك أينشتاين ألمانيا متجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد كان على خلاف دائم مع هتلر حيث كان يدعو للسلام، ويرفض الحرب وكان يردد دائما: "لست مسالما فحسب، بل أنا مسلح مسالم، وأنا مستعد للقتال من أجل الحرية.. أليس من الأفضل أن يموت الإنسان من أجل مبدأ يؤمن به مثل السلام بدلا من أن يتألم في سبيل قضية لا يؤمن بها مثل الحرب".
أينشتاين الإنسان
لم يكن ألبرت أينشتاين مجرد عالم فيزياء ينخرط في العمل وينزوي عن متابعة حياته الاجتماعية، بل إنه في لقاءاته مع الأصدقاء قلما يتحدث عن العلم ويبقى يسرد حكايات أدبية أو يعزف مقطوعات على آلة الكمان التي لا تفارقه حتى في محاضراته في الجامعة، فقد كان محبا للموسيقى ومتعلقا بها.
كما كان شديد التعلق بوالدته، ويحكي لها تطوراته أولا فأولا، ففي بداية دراسته الجامعية عام (1314 هـ=1897م) بعث لها بخطاب قال فيه: "إن الجهد النفسي وجمال الطبيعة التي خلقها الله يجسدان الملائكة التي تعطيني القوة والرجاء للمضي قدما في هذا العالم المجنون، وإنني سأظل على العهد في التأمل في صنع الخالق وقدرته، بعيدا عن زخارف شياطين الإنس والجن الذين يعيثون في الأرض فسادا، الذين يفسدون في الأرض بعد إصلاحها" .
وبرغم نجاحه العلمي فإنه لم يكن ناجحا على المستوى الأسري، فرغم زواجه من زميلة دراسة ميلفا مايك بعد قصة حب في الجامعة وإنجابه منها طفلين فقد طلقها بعد سنوات قليلة من الزواج، ثم تزوج ابنة عمه إليزا التي رافقته في العديد من أسفاره ورحلاته ومؤتمراته العديدة، فقد كان محبا للتنقل في العالم، ثم ما لبث أن طلقها أيضا، ويحكي هو عن فشله العاطفي قائلا: "عندما نتحدث عن العلاقات الحميمية فقد فشلت، وبكل الأسف والخجل مرتين، فالزواج مسألة جد خطيرة".
كما أنه كان شديد الحب للريف وكانت نزهته المحببة لقلبه وهو في قمة شهرته قضاء بعض الأوقات في الريف وسط الطبيعة الساحرة متأملا خلق الله وعجائب قدرته في الكون.
الوفاة
عاش ألبرت أينشتاين عالما فذا يبحث دوما عن الجديد حتى رحل عن دنيانا في (18 من شعبان 1374 هـ = 10 من إبريل عام 1955) في مدينة برن ستون الأمريكية، تاركا وراءه ثروة علمية ضخمة من الأبحاث والنظريات التي غيرت نظرتنا نحو الكون.